الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(فَرْعٌ): [فِيمَنْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ]: (وَقَالَ: مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ)، أَيْ: مَسْأَلَةِ تَعَدُّدِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ وَقْتٍ (لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إمَامَانِ رَاتِبَانِ وَكَانَتْ الْجَمَاعَةُ تَتَوَفَّرُ مَعَ) الْإِمَامِ (الرَّاتِبِ)، فَلَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. .فَصْلٌ: [الشُّرُوعُ فِي نَافِلَةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ لِلْمَكْتُوبَةِ]: (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةُ) لِإِمَامِهِ (قَوْلًا وَفِعْلًا)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ؛ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا» وَالْمُرَادُ بِمُتَابَعَتِهِ فِي الْأَقْوَالِ: أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ عَمَّا أَدْرَكَهُ فِيهِ، وَمَا فِي السُّجُودِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِتَشَهُّدِهِ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَتَبْطُلُ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ (بِتَرْكِ مُتَابَعَةِ) إمَامِهِ فِي (فِعْلٍ)، كَرُكُوعٍ (لِعَالِمٍ) عَمْدًا، وَ(لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِهِ مُتَابَعَتَهُ فِي (قَوْلٍ، كَتَسْبِيحٍ)، أَيْ: كَمَا لَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ سَبَّحَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، لِتَعَسُّرِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَيَأْتِي، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ قَامَ مَسْبُوقٌ) لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ ثَانِيَةً وَلَمْ يَرْجِعْ)، لِيَقُومَ بَعْدَ سَلَامِهَا، (وَيَلْزَمُهُ) الرُّجُوعُ؛ (انْقَلَبَتْ) صَلَاتُهُ (نَفْلًا)، لِتَرْكِهِ الْعَوْدَ الْوَاجِبَ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ، فَيَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَامِ، وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا بِمُجَرَّدِ قِيَامِهِ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ إمَامِهِ الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَسْبُوقُ (جَاهِلًا) أَنَّ قِيَامَهُ مُضِرٌّ فِي فَرْضِهِ. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ) أَيْ: الْمَسْبُوقُ، لَهُ أَنْ (يَقُومَ بِإِيَاسٍ) مِنْ تَسْلِيمَةٍ (ثَانِيَةٍ) مِمَّنْ لَا يَرَى وُجُوبَهَا (مِنْ نَحْوِ شَافِعِيٍّ)، كَمَالِكِيٍّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى. (وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ يَقُومُ) وُجُوبًا (فَوْرًا بَعْدَ) تَسْلِيمَةٍ (ثَانِيَةٍ)، هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَسْبُوقُ (بِمَوْضِعِ جُلُوسٍ) لِأَجْلِ (تَشَهُّدِهِ)، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ مَثَلًا، ثُمَّ سَلَّمَ إمَامُهُ؛ فَلَهُ الْبَقَاءُ جَالِسًا إلَى أَنْ يُتِمَّ تَشَهُّدَهُ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ جُلُوسِهِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، (وَإِلَّا يَكُنْ) فَرَاغُ إمَامِهِ مِنْ ثَانِيَةٍ بِمَوْضِعِ جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ، كَكَوْنِهِ سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، ثُمَّ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ؛ فَعَلَى الْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ فَوْرًا، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ تَشَهُّدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَوْرًا؛ (بَطَلَتْ لِعَامِدٍ) عَدَمَ الْقِيَامِ لَا جَاهِلٍ أَوْ نَاسٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَا أَدْرَكَ) مَسْبُوقٌ مَعَ إمَامِهِ (فَأَخَّرَهَا)، أَيْ: أَخَّرَ صَلَاتَهُ، (فَلَا اسْتِفْتَاحَ لَهُ)، أَيْ: لِمَا أَدْرَكَهُ، سَوَاءٌ قَرَأَ، أَوْ لَمْ يَقْرَأْ، (و لَا اسْتِعَاذَةَ إنْ لَمْ يَقْرَأْ)، فَإِنْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ؛ اسْتَعَاذَ وَسَمَّى، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ. وَفِي الْإِقْنَاعُ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لَمْ يَسْتَفْتِحْ، وَلَمْ يَسْتَعِذْ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (وَيَتَوَرَّكُ) الْمَسْبُوقُ (فِيهِ)، أَيْ: فِي تَشَهُّدِهِ الَّذِي أَدْرَكَهُ (مَعَ إمَامِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ لَهُ بِهِ، كَمَا يَتَوَرَّكُ لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي فِيمَا يَقْضِيهِ، فَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ؛ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ مُتَوَرِّكًا لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُتَابَعَةً لَهُ، وَجَلَسَ بَعْدَ قَضَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا مُتَوَرِّكًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ سَلَامُهُ، (مُكَرِّرًا التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَدْبًا حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ) التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ وَاقِعٌ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِ مَسْبُوقٍ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ؛ قَامَ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، وَلَمْ يُتِمَّ التَّشَهُّدَ الَّذِي يُكَرِّرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ. (وَمَا يَقْضِي) مَسْبُوقٌ (أَوَّلَهَا)، أَيْ: أَوَّلُ صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ (يَسْتَفْتِحُ لَهُ)، أَيْ: لِمَا يَقْضِيهِ، (وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ سُورَةً)، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَدْرَكْتُمْ الصَّلَاةَ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَاقْضِ مَا سَبَقَك» وَالْمَقْضِيُّ هُوَ الْفَائِتُ، فَيَكُونُ عَلَى صِفَتِهِ. (وَيَأْتِي) مَسْبُوقٌ (بِعَدَدٍ مَا فِي أُولَى) صَلَاةِ (عِيدٍ مِنْ تَكْبِيرٍ)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَ) كَذَلِكَ مَسْبُوقٌ (بـِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ يَقْرَأُ) بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ (الْفَاتِحَةَ، فَمَا بَعْدُ مِمَّا فَاتَهُ)، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ثَانِي تَكْبِيرَةٍ، وَيَدْعُو بَعْدَ الثَّالِثَةِ، (وَيُطَوِّلُ أُولَى) الرَّكْعَتَيْنِ الْمَقْضِيَّتَيْنِ (عَلَى ثَانِيَةٍ) (لَكِنْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبٍ؛ تَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (عَقِبَ) قَضَاءِ رَكْعَةٍ (أُخْرَى) نَصًّا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا، لِحَدِيثِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: فَأَتِمُّوا قَضَاءً لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَتَشَهَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً عَقِبَ أُخْرَى؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ؛ لَزِمَ عَلَيْهِ قَطْعُ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى وِتْرِ الثَّلَاثَةِ شَفْعًا، وَمُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ مُمْكِنَةٌ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَرْكِهَا، فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهِ. (وَيَتَوَرَّكُ) مَسْبُوقٌ (فِي) التَّشَهُّدِ (الْأَخِيرِ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَمَغْرِبٍ. (وَيَتَحَمَّلُ إمَامٌ عَنْ مَأْمُومٍ قِرَاءَةَ) فَاتِحَةٍ (وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ) أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، (وَ) سُجُودَ (سَهْوٍ بِشَرْطٍ)، وَهُوَ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَسُتْرَةٍ)؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، (وَدُعَاءٍ قُنُوتٍ) فَيُؤَمِّنُ إذَا سَمِعَ الْإِمَامَ، وَإِلَّا فَيَقْنُتُ. (وَ) يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ (عَنْ) الْمَأْمُومِ أَيْضًا (تَسْمِيعًا)، أَيْ: قَوْلَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، (وَ) قَوْلَ (مِلْءُ السَّمَاءِ إلَى آخِرِهِ) بَعْدَ التَّحْمِيدِ، (وَكَذَا تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ) وَجُلُوسُهُ لَهُ (إذَا سَبَقَ بِرَكْعَةٍ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ. (وَيَتَّجِهُ: فِي غَيْرِ مَغْرِبٍ)، وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ، فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ هُوَ مَحَلُّ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ الْأَخِيرِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِهِ، (خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ لِلْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى (فِيمَا يُوهِمُ) مِنْ إطْلَاقِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَ) سُنَّ (لِمَأْمُومٍ اسْتِفْتَاحٌ وَتَعَوُّذٌ فِي) صَلَاةٍ (جَهْرِيَّةٍ) كَالصُّبْحِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِمَا، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. (وَ) سُنَّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا (قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ حَيْثُ شُرِعَتْ) السُّورَةُ (فِي سَكَتَاتِهِ) يَعْنِي: أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى عَقِبَ إحْرَامِهِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الثَّانِيَةِ عَقِبَ فَرَاغِهِ لَهَا، وَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، (وَهِيَ) أَيْ: سَكَتَاتُ الْإِمَامِ ثَلَاثٌ (قَبْلَ فَاتِحَةٍ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، (وَبَعْدَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. (وَتُسَنُّ) أَنْ: تَكُونَ (هُنَا) أَيْ: بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِهَا)، لِيَقْرَأَهَا الْمَأْمُومُ فِيهَا، (وَبَعْدَ فَرَاغِ قِرَاءَةٍ) لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ فِيهَا. (وَ) يُسَنُّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَتَعَوَّذَ وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً حَيْثُ شُرِعَتْ (فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ) إمَامُهُ كَالظُّهْرِ، وَكَذَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ مَغْرِبٍ، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ «كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ. (أَوْ)، أَيْ: وَيُسَنُّ لِمَأْمُومٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ كَانَ (لَا يَسْمَعُهُ) أَيْ: الْإِمَامَ (لِبُعْدٍ) عَنْهُ (أَوْ لِطَرَشٍ إنْ لَمْ يُشْغَلْ) مَأْمُومٌ بِقِرَاءَتِهِ (مَنْ بِجَنْبِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا شَغَلَهُ تَرَكَهُ. (وَيَتَّجِهُ التَّحْرِيمُ): لِإِيذَائِهِ مَنْ بِجَنْبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (سَكَتَاتٌ) يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُومُ فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ (كُرِهَ) لَهُ (أَنْ يَقْرَأَ نَصًّا)، لِمَا تَقَدَّمَ. (فَلَوْ سَمِعَ) الْمَأْمُومُ (هَمْهَمَتَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ، (وَلَمْ يَفْهَمْ قَوْلَهُ؛ لَمْ يَقْرَأْ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَدْرَكَ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَةً؛ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِالْحَمْدُ وَسُورَةٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْحَمْدُ فَقَطْ، وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ؛ جَهَرَ فِي قَضَائِهِمَا. .(فَصْلٌ): [متابعة المأموم للإمام]: (وَ) أَمَّا مُوَافَقَةُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فِي أَقْوَالِ الصَّلَاةِ (إنْ كَبَّرَ لِإِحْرَامٍ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ إمَامِهِ، (أَوْ) كَبَّرَ (قَبْلَ إتْمَامِهِ) الْإِحْرَامَ؛ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ إمَامِهِ وَقَدْ فَاتَهُ. (وَإِنْ سَلَّمَ) مَأْمُومٌ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ إمَامِهِ (عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ) لِلْمَأْمُومِ؛ بَطَلَتْ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ عَمْدًا، (أَوْ) سَلَّمَ مَأْمُومٌ قَبْلَهُ (سَهْوًا، وَلَمْ يُعِدْهُ)، أَيْ: السَّلَامَ (بَعْدَهُ)، أَيْ: بَعْدَ إمَامِهِ أَوْ مَعَهُ، إذْ الْبَعْدِيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ إمَامِهِ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَهُ؛ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ. (وَ) سَلَّمَ مَأْمُومٌ (مَعَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ فَإِنَّهُ (يُكْرَهُ) لَهُ ذَلِكَ، (وَلَا يُكْرَهُ سَبْقُ) مَأْمُومٍ إمَامَهُ (بِقَوْلٍ) مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ (غَيْرِهِمَا)، أَيْ: غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وِفَاقًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، (وَالْأَوْلَى تَسْلِيمُهُ)، أَيْ: الْمَأْمُومِ (عَقِبَ فَرَاغِ إمَامِهِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ)، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الْأُولَى بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ الْأُولَى، وَقَبْلَ سَلَامِهِ الثَّانِيَةَ، وَسَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ الثَّانِيَةَ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي الْمُتَابَعَةِ لَا إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ الثَّانِيَةَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِيَةَ حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا؛ فَلَا يَجُوزُ، لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ كَالْأُولَى. تَتِمَّةٌ: فَإِنْ سَبَقَ إمَامٌ بِالسَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ مَأْمُومٌ دُعَاءَ التَّشَهُّدِ؛ أَتَمَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا، ثُمَّ سَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا تَابَعَهُ بِالسَّلَامِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِإِتْمَامِ ذَلِكَ، نَقَلَهُ أَبُو دَاوُد. (وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ وَنَحْوَهُ)، كَأَنْ رَفَعَ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ إمَامِهِ) وَلَا يُعَدُّ سَابِقًا بِرُكْنٍ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهُ؛ فَلَا يُعَدُّ سَابِقًا بِالرُّكُوعِ حَتَّى يَرْفَعَ، وَلَا بِالرَّفْعِ حَتَّى يَهْوِيَ إلَى السُّجُودِ (عَالِمًا عَمْدًا حَرُمَ)، لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» وَقَالَ الْبَرَاءُ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» وَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَأْمُومٍ تَعَمَّدَ السَّبْقَ، (وَعَلَى جَاهِلٍ وَنَاسٍ ذَكَرَ أَنْ يَرْجِعَ لِيَأْتِيَ بِهِ) أَيْ: بِمَا سَبَقَ بِهِ إمَامَهُ (مَعَهُ) أَيْ: عَقِبَهُ، وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ تُكْرَهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ، (فَإِنْ أَبَى) الرُّجُوعَ لِيَأْتِيَ بِهِ مَعَ إمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ (حَتَّى أَدْرَكَهُ) إمَامُهُ (فِيهِ) أَيْ: فِي الرُّكْنِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ، (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا، وَ(لَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُكُوعِهِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ إمَامِهِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، وَيَعْتَدُّ) لَهُ (بِهِ) أَيْ: بِاَلَّذِي سَبَقَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَبْقٌ يَسِيرٌ يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَ إمَامِهِ فِيهِ، فَلَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِاقْتِدَائِهِ لِلْعُذْرِ. (وَمَنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ) فَصَلَّى (بِأَنْ رَكَعَ) قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ (وَرَفَعَ لَا لِيَأْتِيَ بِهِ مَعَ إمَامِهِ) أَيْ: عَقِبَهُ (قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ عَالِمًا عَمْدًا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ كَامِلٍ: هُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ رُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ قَبْلَ إمَامِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا فَاتَهُ عَقِبَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي الرُّكُوعِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ». تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا فِي السَّبْقِ بِرُكْنٍ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ تَعَمُّدَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالْمُجَرَّدِ وَغَايَةِ الْمَطْلَبِ وَالْإِنْصَافِ وَشَرْحِ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ بِالْبُطْلَانِ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ، وَالسَّبْقُ بِالرُّكْنِ يَسْتَلْزِمُ السَّبْقَ إلَيْهِ وَزِيَادَةً، وَعَدَمُ الْعُذْرِ مَفْرُوضٌ فَمَا بَقِيَ لِعَدَمِ الْبُطْلَانِ مُسَوِّغٌ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ سَبَقَهُ بِالرُّكْنِ عَمْدًا، وَلَمْ يُدْرِكْهُ فِيهِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقُدِّمَ فِي الشَّرْحِ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِأَيِّ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ رُكُوعًا كَانَ أَوْ سُجُودًا أَوْ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا. وَالْقَوْلُ، بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالسَّبْقِ بِالرُّكْنِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الرُّكُوعِ، وَلَوْ عَمْدًا، ضَعِيفٌ مَرْجُوحٌ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَلِصَنِيعِهِمْ. (أَوْ) سَبَقَ مَأْمُومٌ إمَامَهُ (بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ رَكَعَ) الْمَأْمُومُ (وَرَفَعَ وَاعْتَدَلَ) وَهَوَى إلَى السُّجُودِ، إذْ الرَّفْعُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْهَوِيِّ لَا بِالِاعْتِدَالِ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ، (قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ (أَوْ رَفَعَ) الْمَأْمُومُ (وَاعْتَدَلَ وَهَوَى إلَى السُّجُودِ قَبْلَ رَفْعِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (عَالِمًا عَمْدًا، بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ عَادَ وَأَتَى بِهِ عَقِبَ إمَامِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ. (وَ) سَبَقَهُ بِرُكْنٍ أَوْ رُكْنَيْنِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، بَطَلَتْ) تِلْكَ (الرَّكْعَةُ) الَّتِي وَقَعَ السَّبْقُ فِيهَا (مَا لَمْ يَأْتِ بِهَا مَعَ إمَامِهِ)، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، قَالَهُ جَمْعٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى. وَ(لَا) تَبْطُلُ (رَكْعَتُهُ) سَبَقَ إمَامَهُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا (بِرُكْنٍ) غَيْرِ رُكُوعٍ كَقِيَامٍ وَهَوِيٍّ إلَى السُّجُودِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ بِالسَّبْقِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ وَقَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ): لَا تَبْطُلُ رَكْعَةُ مَنْ سَبَقَ إمَامَهُ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بِرُكْنٍ، (أَوْ بِرُكْنَيْنِ غَيْرَ رُكُوعٍ)؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، فَالسَّبْقُ بِهِ كَالسَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ مُخَالِفٌ لِصَحِيحِ الْمَذْهَبِ، بَلْ لَمْ يَحْكِ فِي الْإِنْصَافِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَعِبَارَتُهُ: الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا، وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِإِمَامِهِ فِيهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ. (وَإِنْ تَخَلَّفَ) مَأْمُومٌ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ إمَامِهِ (بِرُكْنٍ) فَعَلَى أَيْ: رُكْنٍ كَانَ (فَأَكْثَرَ بِلَا عُذْرٍ) مِنْ نَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ وَعَجَلَةٍ، (فَكَسَبْقٍ، فَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِهِ (لِعَامِدٍ، وَتَصِحُّ لِجَاهِلٍ وَنَاسٍ)، وَقَوْلُهُ: (وَتَبْطُلُ رَكْعَةُ) جَاهِلٍ وَنَاسٍ (بِرُكُوعِ) إمَامِهِ، (لِتَخَلُّفِهِ) عَنْهُ بِمَا هُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ، فِيهِ نَظَرٌ. إذْ لَوْ أَتَى بِمَا تَخَلَّفَ بِهِ عَنْ إمَامِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، (وَ) إنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ (لِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ، إنْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ فِي غَيْرِ رُكُوعٍ)، صَوَابُهُ: وَإِنْ كَانَ رُكُوعًا، (خِلَافًا لِجَمْعٍ)، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُمَا، بَلْ مَا قَالَهُ الْجَمْعُ هُوَ الْمَذْهَبُ. (مَعَ أَمْنِ فَوْتِ آتِيَةٍ وَلَحِقَهُ، صَحَّتْ) رَكْعَتُهُ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ حَيْثُ أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَاتَهُ مَعَ إمَامِهِ، وَيَلْحَقُهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ. (أَوْ خَافَ فَوْتَ) رَكْعَةٍ (آتِيَةٍ لَغَتْ الرَّكْعَةُ) الَّتِي تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنِهَا (وَتَابَعَ إمَامَهُ، وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِوَضُهَا)، فَيَبْنِي عَلَيْهَا وَيُتِمُّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ. (فَإِنْ ظَنَّ) مَنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ، ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ قَبْلَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (تَحْرِيمَ مُتَابَعَتِهِ إذَنْ) أَيْ: حَالَ خَوْفِ فَوْتِ آتِيَةٍ، (فَسَجَدَ جَهْلًا، اُعْتُدَّ بِهِ) أَيْ: السُّجُودِ لِعُذْرِ الْجَهْلِ (كَسُجُودِهِ) أَيْ: الْمَأْمُومِ (يَظُنُّ لُحُوقَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ فَلَمْ يَلْحَقْهُ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعْنِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ فَأَكْثَرَ بِلَا عُذْرٍ، فَكَسَبْقٍ، فَتَبْطُلُ لِعَامِدٍ، وَتَصِحُّ لِجَاهِلٍ وَنَاسٍ، وَتَبْطُلُ رَكْعَتُهُ بِرُكُوعٍ، وَلِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ إلَى آخِرِهِ، مَعَ كَوْنِهَا مُخَالِفَةً لِلْمَذْهَبِ غَيْرَ مُحَرَّرَةٍ، فَلْيَتَفَطَّنْ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْبُهُوتِيُّ وَهُمْ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى بِحِلِّهِ قَوْلُهُ: لَا بِرُكْنٍ غَيْرِ رُكُوعٍ، وَتَبِعَهُ النَّجْدِيُّ، فَلْيُرَاجَعَا. (وَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ) رَكْعَةٍ (أَوْلَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ تَابَعَهُ فِي سُجُودِهَا، وَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ تُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ) إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ جُمُعَةً، وَلَمْ نَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ. (وَلَوْ أَدْرَكَهُ) الْمَأْمُومُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ مَا تَخَلَّفَ بِهِ عَنْهُ (فِي رُكُوعِ) رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ؛ تَبِعَهُ فِيهِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالرَّكْعَتَيْنِ. (وَ) إنْ أَدْرَكَهُ (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، (تَبِعَهُ) فِي سُجُودِهَا (وَقَضَى) أَيْ: أَتَى بِرَكْعَةٍ، وَتَتِمُّ جُمُعَتُهُ. (وَإِنْ تَخَلَّفَ) مَأْمُومٌ (بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ، تَابَعَ) إمَامَهُ، وَقَضَى مَا تَخَلَّفَ بِهِ (كَمَسْبُوقٍ)، فِي مُجَرَّدِ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ مَا تَخَلَّفَ بِهِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ؛ فَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلَهَا، وَإِنْ كَانَ آخِرَهَا فَهُوَ آخِرُهَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ: كَأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ؛ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. .(فَصْلٌ): [استحبابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ]: قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، (مَا لَمْ يُؤْثِرْ مَأْمُومٌ التَّطْوِيلَ، فَإِنْ آثَرُوا كُلُّهُمْ) التَّطْوِيلَ، (اُسْتُحِبَّ)، لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ، وَهِيَ: التَّنْفِيرُ. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَعَدَدُهُمْ مُنْحَصِرٌ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. (وَتُكْرَهُ) لِلْإِمَامِ (سُرْعَةٌ تَمْنَعُ مَأْمُومًا فِعْلَ مَا يُسَنُّ) لَهُ فِعْلُهُ، (بَلْ يُرَتِّلُ نَحْوَ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحِ) رُكُوعٍ وَسُجُودٍ (بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مَنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى بِهِ)، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى الْمَأْمُومِ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ، وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ مِنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقَوْلِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَإِتْمَامِ مَا تُسَنُّ لَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. (وَيُسَنُّ) لِإِمَامٍ (تَخْفِيفُ) الصَّلَاةِ (إذَا عَرَضَ لِبَعْضِ مَأْمُومِينَ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (مَا يَقْتَضِي خُرُوجَهُ) مِنْهَا (كَسَمَاعِ بُكَاءِ صَبِيٍّ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ غَالِبًا، (يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِلْمَصْلَحَةِ) كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا. (وَ) سُنَّ لِإِمَامٍ (انْتِظَارُ دَاخِلٍ) مَعَهُ (مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ ذَا حُرْمَةٍ أَوْ لَا (فِي رُكُوعٍ وَغَيْرِهِ) وَسُنَّ كَوْنُ انْتِظَارِهِ لَهُ (بِنِيَّةِ تَقَرُّبٍ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى (لَا) بِنِيَّةِ (تَوَدُّدٍ)؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ بِلَا مَضَرَّةٍ، فَكَانَ مُسْتَحَبًّا كَرَفْعِ الصَّوْتِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (إنْ لَمْ يَشُقَّ) انْتِظَارُهُ (عَلَى مَأْمُومٍ) بِأَنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يَسِيرَةً، وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى بَعْضِهِمْ، وَإِلَّا (فَيُكْرَهُ)؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَأْمُومِ الَّذِي مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ، فَلَا يَشُقُّ عَلَى مَنْ مَعَهُ لِنَفْعِ الدَّاخِلِ، (وَكَذَا لَوْ كَثُرَتْ جَمَاعَةٌ) أَوْ كَانَ الدَّاخِلُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، فَيُكْرَهُ انْتِظَارُهُ، (لِأَنَّهُ)، أَيْ: الْحَالَ وَالشَّأْنَ (يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ) ذَلِكَ، زَادَ جَمَاعَةٌ أَوْ طَالَ ذَلِكَ. (وَسُنَّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ) رَكْعَةٍ (أَوْلَى) لِإِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ (عَنْ) قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ)، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «كَانتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَلْيَلْحَقْهُ الْقَاصِدُ إلَيْهَا، لِئَلَّا يَفُوتَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ شَيْءٌ (إلَّا فِي صَلَاةِ خَوْفٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي) كَمَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، (فَثَانِيَةٌ أَطْوَلُ) مِنْ أُولَى، لِتُتِمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَذْهَبَ لِتَحْرُسَ، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُخْرَى، فَتَدْخُلَ مَعَهُ، (أَوْ) إلَّا إذَا كَانَ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى (بِيَسِيرٍ، كَ) مَا إذَا قَرَأَ بِ: (سَبِّحْ، وَالْغَاشِيَةِ) لِوُرُودِهِ فِي نَحْوِ الْجُمُعَةِ (وَفِي الْإِقْنَاعِ:) وَ(لَعَلَّ الْمُرَادَ: لَا أَثَرَ لِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ، وَهُوَ)، أَيْ: تَرَجِّي صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (حَسَنٌ)؛ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، لِمَا تَقَدَّمَ. .(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنِّ: قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ، قَالَ: وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ: إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَلَا يَكُونُ مَا أُمِرُوا بِهِ، وَمَا نُهُوا عَنْهُ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهُمْ شَارَكُوهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إسْلَامِهِمْ)؛ فَتَصِحُّ مُعَامَلَتُهُمْ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ. قَالَ فِي مُغْنِي ذَوِي الْأَفْهَامِ: وَيُبَاحُ فِعْلُ دَوَاءٍ لِرُؤْيَةِ أَرْوَاحِ الْجِنِّ وَطَرْدِهِمْ مَعَ أَمْنِ ضَرَرِهِمْ، وَكَذَا طَاعَتُهُمْ لَهُ. (وَكَافِرُهُمْ كَحَرْبِيٍّ) يَجُوزُ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. (وَظَاهِرُهُ)، أَيْ: ظَاهِرُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ: أَنَّهُ (يُجْزِئُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ)، وَيَجُوزُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ كَمَا يَجُوزُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إنْسِيٍّ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى إنْسِيٍّ، وَتُقْبَلُ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَشَهَادَةُ إنْسِيٍّ عَلَيْهِمْ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ آدَمِيٍّ)؛ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ التَّعَدِّي عَلَى الْإِنْسِ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرَرٍ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِيمَا أَفْسَدُوهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ. (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ (ظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا) لِحَدِيثِ «يَا عِبَادِي؛ إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ سَرِقَةُ مَالِ بَعْضِهِمْ، وَلَا سَرِقَةُ مَالِ إنْسِيٍّ، وَلَا يَجُوزُ تَسْلِيطُهُمْ عَلَى إنْسِيٍّ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَيَضْمَنُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزِّنَى بِإِنْسِيَّةٍ، كَمَا يَحْرُمُ بِبَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى نِسَائِهِمْ بِإِنْسِيٍّ، وَيُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بِسُكْرٍ وَقَذْفٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَى إنْسِيٍّ غَلَبَهُ جِنِّيٌّ عَلَى ذَلِكَ. وَيَحْرُمُ تَعَدِّي إنْسِيٍّ عَلَيْهِمْ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ إفْسَادِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ. وَيَحْرُمُ زِنًى بِجِنِّيَّةٍ وَلِوَاطٌ، وَلَا يَجِبُ بِهِمْ قِصَاصٌ. (وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ)، وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْآدَمِيُّ، لِئَلَّا يُصِيبَهُ أَذًى مِنْ الْجِنِّ؛ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَبَوْلُهُمْ وَقَيْؤُهُمْ طَاهِرَانِ)، لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِحَدِيثِ «لَمَّا سَمَّى الرَّجُلُ فِي أَثْنَاءِ طَعَامِهِ، قَالَ: قَاءَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءٍ أَكَلَهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا رَوْثُهُمْ)، وُقُوفًا مَعَ مَوْرِدِ النَّصِّ، لَكِنْ قَالَ الْخَلْوَتِيُّ: قَوْلُهُ: وَبَوْلُهُمْ وَقَيْؤُهُمْ، وَكَذَا غَائِطُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا مَا بَوْلُهُ وَقَيْؤُهُ طَاهِرَانِ وَغَائِطُهُ نَجِسٌ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا لِمَحَلِّ الْوُرُودِ، ثُمَّ رَأَيْت فِيمَا عَلَّقَهُ الْفَارِضِيُّ عَلَى مَتْنِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: وَمَنْ جَعَلَ بَوْلَ الشَّيْطَانِ فِي الْأُذُنِ حَقِيقَةً اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الْجِنِّ وَغَائِطِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِ الْأُذُنِ انْتَهَى. (وَجَرَى فِي جَوَازِ مُنَاكَحَتِهِمْ لَنَا) مَعْشَرَ الْإِنْسِ (خِلَافٌ) بَيْنَ عُلَمَائِنَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ جَوَازِ مُنَاكَحَتِهِمْ. قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِجِنِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ كَالْهِبَةِ وَالزَّكَاةِ، فَيَتَوَجَّهُ مِنْ انْتِفَاءِ التَّمْلِيكِ انْتِفَاءُ مَنَافِعِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}، وَقَالَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا}، وَالْجِنُّ لَيْسُوا مِنْ أَنْفُسِنَا، فَلَا يَأْمَنُ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قُدْرَةً عَلَى النُّفُوذِ فِي بَوَاطِنِ الْبَشَرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا أُتِيَ بِالْمَصْرُوعِ وَعَظَ مَنْ صَرَعَهُ وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى وَفَارَقَ الْمَصْرُوعَ؛ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَعُودَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتَمِرْ وَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ؛ ضَرَبَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ، وَالضَّرْبُ فِي الظَّاهِرِ يَقَعُ عَلَى الْمَصْرُوعِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَنْ صَرَعَهُ، وَلِهَذَا يَتَأَلَّمْ مَنْ صَرَعَهُ وَيَصِيحُ، وَيُخْبِرُ الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (وَفِي الْجَنَّةِ يَتَزَوَّجُونَ بِحُورٍ مِنْ جِنْسِهِمْ)، لِحَدِيثِ «وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ». (وَقَدْ أَشْبَعْتُ الْكَلَامَ فِيهِمْ فِي كِتَابِي بَهْجَةِ النَّاظِرِينَ) فَلْيُرَاجَعْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ وُجُودَ الْجِنِّ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ مِنْ الْأُمَّةِ، وَدُخُولُ الْجِنِّيِّ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ ثَابِتٌ: بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مَحْسُوسٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ يَدْخُلُ فِي الْمَصْرُوعِ، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَا يَعْرِفُهُ، بَلْ وَلَا يَدْرِي بِهِ، بَلْ يُضْرَبُ ضَرْبًا لَوْ ضَرَبَهُ جَمَلٌ لَمَاتَ، وَلَا يُحِسُّ بِهِ الْمَصْرُوعُ، وَمُعَالَجَتُهُ بِالرَّقْيِ، وَالتَّعَوُّذِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا غَيْرَ شِرْكٍ جَائِزٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ.
|